' زيادة سقف الدين العام الأمريكي', ما هي حكاية هذه العبارة؟
الحكاية باختصار تتمثل في أن القانون الأمريكي ينص علي حتمية التزام الحكومة بسقف صارم لقيمة الدين العام للدولة بحيث يكون ممنوعا علي وزارة الخزانة اقتراض اي أموال بشكل يؤدي إلي كسر هذا السقف( الحكومة تقوم باقتراض أموال عن طريق إصدار سندات والسند عبارة عن ورقة مالية يجري الحصول عليها في مزاد حكومي وتستحق بعد فترة زمنية محددة قد تصل إلي عشرة أو عشرين سنة أو تقل مدتها إلي ثلاثة أو ستة أشهر وذلك بفائدة محددة وتعد الفائدة علي السندات السيادية الأمريكية الأقل علي مستوي العالم لان هذه السندات تصنف ضمن السندات الممتازة التي تحمل عادة تصنيف(AAA). فإذا حدث وأرادت الحكومة تحريك ذلك السقف( أي طرح مزيد من السندات بما يفوق قيمة السقف القائم) فان عليها الحصول علي موافقة الكونجرس.
الحادث الآن أن إدارة أوباما تود رفع سقف الدين ليصل إلي ستة عشر تريليونا وسبعمائة مليار دولار بدلا من مستواه الحالي البالغ حوالي14.2 تريليون دولار وذلك كي يكون في مقدورها سداد فوائد ديون مستحقة عليها( سندات سيحين موعد استحقاقها تبلغ قيمتها مليارات الدولارات), ولتسيير العديد من الأمور الأخري للدولة.
لكن الذي حدث أن الجمهوريين المهيمنين علي الكونجرس يرفضون بشدة رفع هذه السقف إلا بعد الاتفاق علي علاج جذري للعجز الهائل المزمن في الموازنة العامة الأمريكية وهو العجز الذي كسر حاجز التريليون دولار.
فالجمهوريون لا يرغبون في فرض أي ضرائب جديدة علي الأغنياء بل ويودون الاستمرار في الإعفاءات الضريبية التي يتمتع بها علية القوم وتخفيض المزيد من الإنفاق العام بما يعني شد الأحزمة علي بطون المواطنين العاديين وذلك بزعم الرغبة في الحد من العجز المزمن في الميزانية وهو العجز الذي من المتوقع أن تصل قيمته إلي4.5 تريليون دولار خلال عشر سنوات.
ولكن ماذا لو فشل هؤلاء المتعاركون في التوصل إلي حل وسط ؟. إن الفشل في التوافق ربما يطرح بقوة السيناريوهات التالية:
- قد يؤدي التخلف عن السداد إلي تفشي حالة ذعر في أسواق المال العالمية تتهاوي معها أسعار الأسهم والسندات وهو ما قد يتطور إلي أزمة مالية عالمية جديدة لا سيما وأن العالم يعاني فعلا من تفاقم أزمة الديون السيادية التي تعصف بمنطقة اليورو.
- تعرض الاقتصاد الأمريكي لنكسة ربما تقضي علي تعافيه الهش الراهن.
- اهتزاز الثقة في السندات السيادية الأمريكية ومن ثم تضعضع الثقة في الجدارة الائتمانية للولايات المتحدة بشكل كبير وهو ما يعني ارتفاع أسعار الفائدة علي هذه السندات مما سيجعل الولايات المتحدة مضطرة مستقبلا إلي الاستدانة بمعدلات فائدة كبيرة مما سيفاقم من حجم المديونية لأكبر اقتصاد في العالم.
- تهاوي سعر صرف الدولار المتداعي أصلا أمام العملات الرئيسية.
- ومن المرجح أن يكون أكبر الخاسرين في حالة وقوع هذا السيناريو المتشائم هي الدول التي تحتفظ بكم كبير من الاستثمارات الدولارية مثل الصين ودول الخليج.
ولكن هل سبق للولايات المتحدة أن توقفت فعلا عن سداد فوائد ديونها؟ الإجابة نعم, فقد حدث هذا في عام تسعة وسبعين من القرن المنصرم لكنه لم تحدث كارثة كبري وقتها وإنما اضطرت واشنطن فقط إلي دفع فوائد كبيرة لكن الظروف المالية الدولية الراهنة تختلف كثيرا عما حدث في سبعينات القرن المنصرم فالعالم مازال يعيش في براثن أسوأ أزمة مالية واقتصادية عالمية في حوالي قرن.
ولكن وحتي إذا توقفت أمريكا عن دفع الفوائد, فإن هذا الأمر لن يكون إفلاسا للدولة الأمريكية وإنما سيكون تخلفا عن السداد لفترة محددة وهو ما يسمي فنياDEFAULT.
ولكن هل السياسة بعيدة تماما عن هذه الحكاية؟ ثمة من يؤكد أن القضية أصلا سياسية روحا ودما إذ يتهم الجمهوريون بانهم يتعمدون إحراج الرئيس باراك أوباما كي يخسر معركته الرئاسية في العام المقبل, وذلك من منطلق كون تلك المعركة ستكون معركة اقتصادية أكثر منها سياسية, بمعني أن الجمهوريون يودون' تخريب' مساعي أوباما الرامية إلي ما يسمي' بانتعاش ما قبل الانتخاباتpre-electionboom الذي يقصد بها رسم صورة وردية للاقتصاد المحلي قبيل الانتخابات الرئاسية.
لكن المشكلة الأكبر في هذا الصدد جوهر فلسفة الاستدانة التي تتبناها الولايات المتحدة, فواشنطن تستدين أربعين سنتا مقابل كل دولار تنفقه أي أن الأمريكيين ينفقون أكثر من إمكاناتهم, ويستهلكون أكثر من إنتاجهم ويستغلون مسألة كونهم أكبر سوق في العالم لتتهافت الاقتصاديات المصدرة مثل الصين واليابان ودول الخليج علي تصدير السلع إليها ومنحها قروضا بسخاء وقبول الدولار المتداعي عن يد وهم صاغرون.
باختصار تعمل أمريكا بفلسفة( لبس طاقية هذا لذاك) بمعني إصدار سندات للحصول علي المال ثم عندما يحين موعد استحقاق هذه السندات يجري إصدار سندات أخري وهكذا وذلك انطلاق من فلسفة أشد بلطجة مفادها( ليه اسدد طالما ممكن ما اسددشي).
لكن الأمريكين بطبعهم لا يعتبرون من دروس التاريخ التي تقول إن انهيار الكثير من الإمبراطوريات بدأ من الديون واسألوا الإمبراطورية العثمانية, والإمبراطورية البريطانية التي غابت عنها الشمس.
منقول من منتديات نجاح بتصرف
الحكاية باختصار تتمثل في أن القانون الأمريكي ينص علي حتمية التزام الحكومة بسقف صارم لقيمة الدين العام للدولة بحيث يكون ممنوعا علي وزارة الخزانة اقتراض اي أموال بشكل يؤدي إلي كسر هذا السقف( الحكومة تقوم باقتراض أموال عن طريق إصدار سندات والسند عبارة عن ورقة مالية يجري الحصول عليها في مزاد حكومي وتستحق بعد فترة زمنية محددة قد تصل إلي عشرة أو عشرين سنة أو تقل مدتها إلي ثلاثة أو ستة أشهر وذلك بفائدة محددة وتعد الفائدة علي السندات السيادية الأمريكية الأقل علي مستوي العالم لان هذه السندات تصنف ضمن السندات الممتازة التي تحمل عادة تصنيف(AAA). فإذا حدث وأرادت الحكومة تحريك ذلك السقف( أي طرح مزيد من السندات بما يفوق قيمة السقف القائم) فان عليها الحصول علي موافقة الكونجرس.
الحادث الآن أن إدارة أوباما تود رفع سقف الدين ليصل إلي ستة عشر تريليونا وسبعمائة مليار دولار بدلا من مستواه الحالي البالغ حوالي14.2 تريليون دولار وذلك كي يكون في مقدورها سداد فوائد ديون مستحقة عليها( سندات سيحين موعد استحقاقها تبلغ قيمتها مليارات الدولارات), ولتسيير العديد من الأمور الأخري للدولة.
لكن الذي حدث أن الجمهوريين المهيمنين علي الكونجرس يرفضون بشدة رفع هذه السقف إلا بعد الاتفاق علي علاج جذري للعجز الهائل المزمن في الموازنة العامة الأمريكية وهو العجز الذي كسر حاجز التريليون دولار.
فالجمهوريون لا يرغبون في فرض أي ضرائب جديدة علي الأغنياء بل ويودون الاستمرار في الإعفاءات الضريبية التي يتمتع بها علية القوم وتخفيض المزيد من الإنفاق العام بما يعني شد الأحزمة علي بطون المواطنين العاديين وذلك بزعم الرغبة في الحد من العجز المزمن في الميزانية وهو العجز الذي من المتوقع أن تصل قيمته إلي4.5 تريليون دولار خلال عشر سنوات.
ولكن ماذا لو فشل هؤلاء المتعاركون في التوصل إلي حل وسط ؟. إن الفشل في التوافق ربما يطرح بقوة السيناريوهات التالية:
- قد يؤدي التخلف عن السداد إلي تفشي حالة ذعر في أسواق المال العالمية تتهاوي معها أسعار الأسهم والسندات وهو ما قد يتطور إلي أزمة مالية عالمية جديدة لا سيما وأن العالم يعاني فعلا من تفاقم أزمة الديون السيادية التي تعصف بمنطقة اليورو.
- تعرض الاقتصاد الأمريكي لنكسة ربما تقضي علي تعافيه الهش الراهن.
- اهتزاز الثقة في السندات السيادية الأمريكية ومن ثم تضعضع الثقة في الجدارة الائتمانية للولايات المتحدة بشكل كبير وهو ما يعني ارتفاع أسعار الفائدة علي هذه السندات مما سيجعل الولايات المتحدة مضطرة مستقبلا إلي الاستدانة بمعدلات فائدة كبيرة مما سيفاقم من حجم المديونية لأكبر اقتصاد في العالم.
- تهاوي سعر صرف الدولار المتداعي أصلا أمام العملات الرئيسية.
- ومن المرجح أن يكون أكبر الخاسرين في حالة وقوع هذا السيناريو المتشائم هي الدول التي تحتفظ بكم كبير من الاستثمارات الدولارية مثل الصين ودول الخليج.
ولكن هل سبق للولايات المتحدة أن توقفت فعلا عن سداد فوائد ديونها؟ الإجابة نعم, فقد حدث هذا في عام تسعة وسبعين من القرن المنصرم لكنه لم تحدث كارثة كبري وقتها وإنما اضطرت واشنطن فقط إلي دفع فوائد كبيرة لكن الظروف المالية الدولية الراهنة تختلف كثيرا عما حدث في سبعينات القرن المنصرم فالعالم مازال يعيش في براثن أسوأ أزمة مالية واقتصادية عالمية في حوالي قرن.
ولكن وحتي إذا توقفت أمريكا عن دفع الفوائد, فإن هذا الأمر لن يكون إفلاسا للدولة الأمريكية وإنما سيكون تخلفا عن السداد لفترة محددة وهو ما يسمي فنياDEFAULT.
ولكن هل السياسة بعيدة تماما عن هذه الحكاية؟ ثمة من يؤكد أن القضية أصلا سياسية روحا ودما إذ يتهم الجمهوريون بانهم يتعمدون إحراج الرئيس باراك أوباما كي يخسر معركته الرئاسية في العام المقبل, وذلك من منطلق كون تلك المعركة ستكون معركة اقتصادية أكثر منها سياسية, بمعني أن الجمهوريون يودون' تخريب' مساعي أوباما الرامية إلي ما يسمي' بانتعاش ما قبل الانتخاباتpre-electionboom الذي يقصد بها رسم صورة وردية للاقتصاد المحلي قبيل الانتخابات الرئاسية.
لكن المشكلة الأكبر في هذا الصدد جوهر فلسفة الاستدانة التي تتبناها الولايات المتحدة, فواشنطن تستدين أربعين سنتا مقابل كل دولار تنفقه أي أن الأمريكيين ينفقون أكثر من إمكاناتهم, ويستهلكون أكثر من إنتاجهم ويستغلون مسألة كونهم أكبر سوق في العالم لتتهافت الاقتصاديات المصدرة مثل الصين واليابان ودول الخليج علي تصدير السلع إليها ومنحها قروضا بسخاء وقبول الدولار المتداعي عن يد وهم صاغرون.
باختصار تعمل أمريكا بفلسفة( لبس طاقية هذا لذاك) بمعني إصدار سندات للحصول علي المال ثم عندما يحين موعد استحقاق هذه السندات يجري إصدار سندات أخري وهكذا وذلك انطلاق من فلسفة أشد بلطجة مفادها( ليه اسدد طالما ممكن ما اسددشي).
لكن الأمريكين بطبعهم لا يعتبرون من دروس التاريخ التي تقول إن انهيار الكثير من الإمبراطوريات بدأ من الديون واسألوا الإمبراطورية العثمانية, والإمبراطورية البريطانية التي غابت عنها الشمس.
منقول من منتديات نجاح بتصرف
0 التعليقات:
إرسال تعليق